حين ذَكَرَ النبي عليه الصلاة والسلام- أن كل إنسان كُتبتْ شقاوته أو سعادته، لمَّا كان في بطن أمه، حين بُعث إليه الملك بكتب الكلمات الأربع، وأن هذه الأمور قد فُرغ منها؛ قد يُقال: “ما دام مكتوبًا شقي أو سعيد فلماذا أعمل؟” فقال النبي-عليه الصلاة والسلام: “اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له”.
فاحرص على أن تعمل بعمل أهل السعادة، واحذر أن تعمل بعمل أهل الشقاء، واعمل في ذلك كله مخلصًا لله – جل وعلا-، “فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار” والعكس، وجاء في بعض الروايات “فيما يبدو للناس” ويعني ذلك : أن في عمله خللًا من الأصل. هذه الأعمال المتعلقة بالآخرة.
ولكن هل يمكن أن نطبق ذلك على الأعمال الدنيوية؟ وكيف؟
مما لا شك فيه فإن ظاهر الحديث يدل على المعني الذي نقصده فالناس مختلفون في كل شيء والأرزاق مقسمة بينهم فمنهم الشقي ومنهم التعيس، ومنهم الغني ومنهم الفقير.
فالناس ليسوا سواسية في كل شيء وهذه حكمة الله في خلقه وهو مدبر الكون.
فعلى الإنسان أن يقبل بما قسم الله له من نصيب الدنيا فلكل منا نصيبه بالآخرك على قدر ما يلقى الله عليه شاكراً وحامداً وعابداً.
أيها الإنسان .. في هذا الحديث عليك أن تعي عدة أمور مهمة هي:
أنت لست كغيرك فلكل من شخصيته وهويته النفسية والاجتماعية.
على قدر ما تعمل ستأخذ، فلا تركن لما أنت فيه من نعمة فهي لن تدوم إلا بالعمل.
لديك قدرات وإمكانيات أعطاها الله لك، فلا تركن لما عند الآخرين وتتقاعس عن العمل.
العمل له فائدتان رئيسيتان:
الأولى: تساعدك على المحافظة على ما عندك من خير ونعمة.
الثانية: تسد النقص الذي لديك وترفعك لما تطمح إليه.
تذكّرْ نجاح الآخرين لا يعني أنهم أخذوا حقك.. فلا تعتقد أن نجاحهم يقلل من قيمتك أو يسلبك حقك. البشر كل متكامل فيما بينهم، فكل منهم يأخذ ويعطي وهذه هي الحياة.
استرجعْ جميع المواقف الحياتية التي مررت بها ستجد أنك تأخذ وتعطي، وكلما زاد عطاؤك زاد حصادك.
أنت ميسر لما أعطاك الله من إمكانيات وقدرات فعليك أن تعرفها أو تتعرّف عليها، لتنميها بالشكل الذي يحقق لك مبتغاك في الحياة.. والعمل جزء من ذلك فلا تبخل على نفسك بالجهد والعطاء لتأخذ.
لك ميول وقدرات وإمكانيات فعليك أن تعرفها وتوظفها لمصلحتك، لا أن تطالع ما لدى الآخرين وتحاول أن تصل إليه، فكل إنسان يمكن أن يعطي وأن يقدم ما لديه للبشرية بغض النظر عن ذلك القدر من العطاء.
أليس التبسم في وجه أخيك صدقة؟
أليس في إماطة الأذى عن الطريق صدقة؟
وهذه نماذج لتلك الأعمال البسيطة والقدر الكبير من العائد منها والجزاء الذي تستحقه.
عليك أن تعمل على ذلك لتكون إنساناً نافعاً لا مستنفعاً.