التعافي أو التشافي.. هذا المصطلح في الغالب شائع لحالتين صحيتين هما التعافي من الإدمان والتعافي من الأمراض الجسدية الكبيرة. وهذا يعني وجوب أن يمر صاحب أيٍ من الحالتين بمرحلة يستعيد فيها تعافيه ولياقته الصحية والذهنية والنفسية بعد أزمة صحية تُعتبر كبيرة جدًا وآثارها سلبية. ولكل حالة من تلك الحالات أسلوبٌ للتعافي أو التشافي.
لكن حديثنا اليوم عن شيء مختلف قليلاً، وللأسف هناك من لا يعيره ما يستحقّ من أهمية مع أنه عامود رئيسي في حل المشكلات: وهو “التعافي من أزمات الخلافات الزوجية”، وخاصة تلك الأزمات التي تنتهي بالصلح والعودة مرة أخرى إلى الحياة المشتركة، والمحافظة على الأسرة وتماسكها واستمرارها.
هناك أيضا “التعافي في حالة الطلاق وانهيار الأسرة” وخاصة تلك الحالات التي تنتهي بطريقة سيئة ينخرط أطراف العلاقة في تجاذبات ساحتها المحاكم وغيرها. وهذه الجزئية أيضا ليست محور مقالنا اليوم وسنفرد لها مقالة مستقلة لأهميتها.
إن حديثنا، اليوم، ينصب على تلك الحالة التي تنتهي المشكلة فيها بالصلح والتراضي، مع وقوع ضرر على أحد الطرفين أو كليهما، رغم هذا الصلح والتراضي.
نستطيع القول إن هذا الصلح والتراضي ليس هو “الحل الكامل” بل هو الجزء الأول حتى وإن كان صادراً من جهاتٍ رسمية مثل المحكمة أو المحامي أو حتى من خلال العرف الاجتماعي والصلح الودي.
نعم هذا الصلح ساهمَ في إيقاف نزيف العلاقة نحو الانفصال والتفكك الأسري، لكنه غير كافٍ إن جرى الاعتماد عليه فقط، فهو صلح هش يمكن أن ينهار في أي وقت.
لقد تضرر أطراف العلاقة نفسياً واجتماعياً؛ الزوج والزوجة أو أحدهما بالإضافة إلى الأبناء. ربما جاءَ الصلح شكلياً ويمكن له أن يتصدع بكل سهولة عند أوّل اختبار أو احتكاك.
وهنا أطرح بعض التساؤلات:
هل هناك متضرر من تلك المشكلة؟ هل الصلح عالجَ كل أسباب المشكلة؟ هل هناك تنازلات قدّمها طرف لطرف؟ وماهي تلك التنازلات؟ هل تعرض الأبناء لأذى نفسي من تلك الزوبعة التي مرت بها الأسرة؟ هل الصلح ترك نتائج غير جيدة؟ هل الطرف الأضعف راضٍ تماماً عن الصلح، وعن الحلول المقدّمة له؟ كل تلك الأسئلة يجب أن تكون لها إجابات واضحة للوصول إلى “التعافي” الذي نقصده.
إن تلك المشكلة أفرزت نتائج وآثاراً نفسية أو اجتماعية لا يمكن حصرها هنا، وتحتاج إلى مساعدة كل طرف للتخلّص منها وعلاجها.
ويجب أن نعرف أن الصلح يظل نظرياً ما دامت تلك الآثار باقية في النفس. وقد تعود المشكلة للظهور مرة اخرى لمجرد حدوث موقف مشكل وإنْ صَغُر حجمه.
لذا فإن أطراف الصلح في مسيس الحاجة إلى الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية من مختص وخبير بالمشكلات الأسرية والزوجية والنفسية من خلال جلسات متعدّدة تمد لفترة من الزمن حتى يرى الأخصائي أن الأمور قد ثبتت في إطارها المطلوب والمتوقّع، وأن العلاقات الأسرية تسير في مسارها الصحيح.
تلك الجلسات مع الأخصّائي ستُظهِر مدى رضى كل طرف وقناعته بالصلح. بالإضافة إلى مساعدته في التخلص من رواسب تلك المشكلة خاصة عندما يكون هناك اعتداء جسدي وأضرار صحية مباشرة.
هناك نواتج كبيرة ومتعدد تزداد بحجم المشكلة ومدّتها وآثارها وحجم التدخل الخارجي، ناهيك عن طريقة الصلح، وهذا ما يجعل الأمر معقّداً ويحتاج إلى مرحلة تعافٍ يرسمها المستشار الأسري والمعالج النفسي لكل الأطراف، من خلال تقييم عام للمشكلة وإفرازاتها وخاصة على الطرف الأضعف والأكثر تضرّراً.
وهنا نقترح أن يكون هناك برنامج تعافٍ تُقِرّه المحاكم، ويخضع له الزوجان من أجل الأخذ بيدهم إلى برّ الأمان.
ختامًا:
يتعين على المجتمع تفهم وتقدير أهمية مرحلة ما بعد الصلح في حالات الخلافات الزوجية. هذه المرحلة تحتاج إلى دعم متخصص ومساندة نفسية واجتماعية لضمان تعافي الأطراف المتضررة والحفاظ على استقرار الأسرة. كما يجب تقديم برامج تعافي مناسبة من قبل الجهات المعنية مثل المحاكم لضمان أن الأسر تعيش بسلام واستقرار بعد حل الخلافات.